المصدر: Amnesty International |

ليبيا: يتعين على جهاز الأمن الداخلي وضع حد للانتهاكات تحت مسمى “حرّاس الفضيلة”

LONDON, المملكة المتحدة, 2024 يناير 15/APO Group/ --

قالت منظمة العفو الدولية اليوم إنه على مدار العام الماضي، أخضع جهاز الأمن الداخلي، الذي يتخذ من طرابلس مقرًا له، عشرات الرجال والنساء والأطفال لمجموعة من الانتهاكات، بما في ذلك الاختفاء القسري والاحتجاز التعسفي والتعذيب، ويواجه بعضهم عقوبة الإعدام، تحت ستار برنامج “حرّاس الفضيلة”.

وجمعت منظمة العفو الدولية أدلة على حملة قمع مكثفة لحرية الفكر والتعبير والمعتقد من قبل جهاز الأمن الداخلي على خلفية قرار صدر في مايو/أيار 2023 عن هيئة دينية رسمية، هي الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية، لمكافحة ما أسمته “الانحرافات الدينية والفكرية والأخلاقية”. واستهدفت حملة جهاز الأمن الداخلي الشرسة، التي أشاد بها علنًا كبار مسؤولي الأوقاف، الشباب الليبيين بشكل أساسي، وخاصة من المجتمع الأمازيغي، وكذلك الرعايا الأجانب تحت ذريعة “صيانة الفضيلة وتطهير المجتمع”، مما أدى في بعض الحالات إلى إجراء تحقيقات في تهم يعاقب عليها بالإعدام.

وقال بسام القنطار، الباحث المعني بالشأن الليبي في منظمة العفو الدولية: “إنَّ تقاعس الحكومة الليبية عن التصدي لجرائم جهاز الأمن الداخلي الموثقة جيدًا بموجب القانون الدولي، بما في ذلك التعذيب والاختفاء القسري، قد شجع هذا الجهاز على ارتكاب المزيد من الانتهاكات، وأدى إلى حملة شرسة ومستمرة تخنق حرية الفكر والتعبير والمعتقد تحت غطاء ’حرّاس الفضيلة‘”.

“يتعين على السلطات الليبية ضمان الإفراج الفوري عن جميع المحتجزين لمجرد ممارستهم لحقوقهم الإنسانية، والكف عن اضطهاد الأفراد بسبب تعبيرهم عن معتقداتهم. كما يجب على حكومة الوحدة الوطنية أن تعزل من مواقع السلطة قادة وأعضاء جهاز الأمن الداخلي المشتبه بشكل معقول في ارتكابهم انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وذلك في انتظار إجراء تحقيقات جنائية مستقلة ومحايدة، ومحاكمتهم في حال توفر أدلة كافية”.

وأجرت منظمة العفو الدولية مقابلات مع محتجزَيْن سابقَيْن وعائلات ومحامين يتابعون قضايا أربعة أشخاص محتجزين حاليًا، ويستأنفون أوامر الحبس الاحتياطي الصادرة عن النيابة العامة، فضلًا عن تسعة نشطاء ليبيين مقيمين في ليبيا أو في المنفى. وراجعت المنظمة 15 مقطع فيديو تظهر “اعترافات” نشرها جهاز الأمن الداخلي منذ مارس/آذار 2023.

واستهدفت حملة القمع المكثفة التي شنها جهاز الأمن الداخلي الأفراد الذين ينظر إليهم على أنهم يرفضون الأيدلوجية السلفية المدخلية المسيطرة في هيئة الأوقاف، والتي تقيّد بشكل كبير حقوق النساء والفتيات والأقليات الدينية وأفراد مجتمع الميم.

مقاطع فيديو مُقلقة تُظهر اعترافات قسرية

تُظهر مقاطع فيديو نشرها جهاز الأمن الداخلي على الإنترنت ما لا يقل عن 24 شخصًا وهم يدلون بـ “اعترافات” تحت الإكراه. ولا يزال 19 شخصًا على الأقل رهن الحبس الاحتياطي بناءً على أوامر من مكتب النائب العام في سجني الرويمي والجديدة في طرابلس. ويواجه هؤلاء تهم “العلاقات الجنسية غير المشروعة” و” الترويج لأي عمل ضد نظم الدولة”، و”الكفر” و”الردّة”. وتصل عقوبة بعض هذه التهم إلى السجن المؤبد والإعدام.

في 28 ديسمبر/كانون الأول 2023، نشر جهاز الأمن الداخلي مقطعَيْ فيديو على قنواته على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر 14 شخصًا، من بينهم أربع نساء وفتاة تبلغ من العمر 17 عامًا، “يعترفون” تحت الإكراه، بجرائم مثل “نشر الإلحاد” و”الردّة” و”اعتناق اللادينية” و”تبني أفكار ليبرالية” و”تبادل الزوجات” و”المثلية الجنسية”. وفي مقاطع فيديو سابقة نشرها جهاز الأمن الداخلي في أبريل/نيسان ومايو/أيار 2023، ظهر 10 أشخاص آخرين وهم “يعترفون” بـ “اعتناق المسيحية” و”الإساءة للإسلام”. 

وقد أكد توثيق منظمة العفو الدولية أن جهاز الأمن الداخلي اعتقل أولئك الذين ظهروا في مقاطع الفيديو بين مارس/آذار وأكتوبر/تشرين الأول 2023.

“سمعت صراخ محتجزين آخرين”

اعتقل عناصر جهاز الأمن الداخلي الأشخاص المستهدفين من منازلهم أو من الشوارع دون إبراز أمر قضائي. وفي بعض الحالات، اعتقل جهاز الأمن الداخلي أقاربهم لإجبار “المطلوبين” على تسليم أنفسهم. ومنذ سبتمبر/أيلول 2023، استخدم جهاز الأمن الداخلي أيضًا الهواتف وسجلات الدردشة لناشطَيْن آخرَيْن محتجزَيْن لاعتقال تسعة أشخاص آخرين على الأقل تعسفيًا.

ودأب محققو جهاز الأمن الداخلي على إخضاع المحتجزين للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، بما في ذلك العنف الجنسي والضرب والصدمات الكهربائية والتعليق في أوضاع مجهدة. واستُجوب المحتجزون من دون حضور محام.

وأبلغ مواطن أجنبي، طلب عدم الكشف عن هويته، منظمة العفو الدولية أنه اعتُقل في طرابلس على أيدي رجال مسلحين بملابس مدنية اقتادوه إلى مقر جهاز الأمن الداخلي دون الكشف عن انتمائهم أو سبب اعتقاله. واحتُجز في معزل عن العالم الخارجي لمدة أسبوع وأُخضع لاستجوابات عديدة، بما في ذلك من قبل رئيس اللجنة الأمنية المركزية في الجهاز.

وقال إنَّ محققي جهاز الأمن الداخلي أجبروه على الكشف عن كلمات المرور لهاتفه وحاسوبه المحمول، واستجوبوه لساعات ودققوا في محادثاته عبر واتساب ومكالماته المتعلقة بالعمل قبل اتهامه بـ “التآمر” و”التجسس”.

وأخبر منظمة العفو الدولية أنه سمع صراخ محتجزين آخرين ورأى أرضيات ملطخة بالدماء وهو يسير من الزنزانة إلى الحمام. وتم ترحيله في نهاية الأمر.

وقال ناشط حقوقي آخر، احتجز لعشرة أشهر بتُهم “التواصل مع الملحدين والنسويات والإساءة إلى دين الدولة”، إنَّ قائد جهاز الأمن لطفي الحراري استجوبه وكان حاضرًا بينما انهال عليه عنصرَيْن من الجهاز على الأقل بالضرب بالهراوات، وجرّداه من ملابسه ولمسا أعضاءه التناسلية.

وفي 17 سبتمبر/أيلول 2023، اعتقل جهاز الأمن الداخلي تعسفيًا ناشطتَيْن شقيقتَيْن أمازيغيتَيْن تبلغان من العمر 22 و27 عامًا. وفي مقطع الفيديو الذي نشره الجهاز في 28 ديسمبر/كانون الثاني، سُمعت المرأتان “تعترفان” بـ”الإلحاد” و”الردّة”. وفي 22 يناير/كانون الثاني، مددت النيابة العامة حبسهما الاحتياطي لمدة 30 يومًا.

من ضمن المحتجزين تعسفيًا، سيفاو مادي، الذي اعتقل في 26 مارس/آذار 2023 وظهر في أحد مقاطع الفيديو التي بثها جهاز الأمن الداخلي في 6 أبريل/نيسان 2023، “يعترف” بأنه تحول إلى المسيحية في 2017 وبشّر بها. ويواجه اتهامات بـ”الردة”، التي تصل عقوبتها إلى الإعدام.

هجوم مباشر على المجتمع الأمازيغي

أثرت حملة القمع التي شنها جهاز الأمن الداخلي بشكل غير متناسب على المجتمع الأمازيغي، الذي يضم أتباع الإباضية والمذهب المالكي.

وقال ناشط، طلب عدم الكشف عن هويته، إن جهاز الأمن الداخلي يكثف حملته ضد المجتمع الأمازيغي، مستشهدًا بقوائم مسربة تحتوي على أسماء نشطاء أمازيغ وإباضيين، ما يشير إلى احتمال تعرضهم للمراقبة والاعتقال.

بالإضافة إلى ذلك، أفاد نزار (اسم مستعار) بوقوع هجمات على مواقع ثقافية ودينية، بما في ذلك هدم موقع صوفي في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 وتخريب مواقع تاريخية، من قبل لجنة حصين، التي كلفتها الأوقاف بمكافحة “أعمال السحرة والمشعوذين”، في أكتوبر/تشرين الأول 2023. واستهدفت هذه الأعمال أئمة وخطباء من أتباع المذهبَيْن المالكي والإباضي في مدينة يفرن شمال غربي البلاد.

وختم بسام القنطار حديثه بالقول: “ينبغي للسلطات الليبية أن توقف فورًا حملتها ضد النشطاء الأمازيغ والإباضيين، وأن تضع حدًا لتدمير وهدم الأضرحة الصوفية، وأن تحترم حرية الدين”.

خلفية

يخضع جهاز الأمن الداخلي في طرابلس اسميًا لسلطة المجلس الرئاسي لحكومة الوحدة الوطنية ويتلقى تمويلًا من الدولة. وسبق لمنظمة العفو الدولية أن وثقت الانتهاكات التي ارتكبها جهاز الأمن الداخلي في غرب ليبيا.

في 9 يناير/كانون الثاني 2024، أقر البرلمان الليبي بالإجماع قانون جديد لتجريم “السحر والشعوذة والكهانة وما في حكمها”، مع عقوبة تتراوح بين السجن لمدة تصل إلى 14 عامًا والإعدام.

أصدرت هيئة الأوقاف قرارًا حمل الرقم 436/2023 بإنشاء لجنة رئيسية مكونة من 17 مسؤولًا، من بينهم ممثل عن الأجهزة والجهات الأمنية، للإشراف على برنامج “حرّاس الفضيلة”. وأشاد يحيى بن حليم، وهو عضو بارز في اللجنة، علنًا بدور جهاز الأمن الداخلي في محاربة “الردّة” و”الأفكار الليبرالية”.

زعتها APO Group نيابة عن Amnesty International.