Thales
المصدر: Thales |

الأمن السيبراني، أكسجين التحول الرقمي

RABAT, المغرب, 2019 يونيو 13/APO Group/ --

يُعد أمن الفضاء السيبراني الركيزة الأساسية لأيّ تحول رقميّ، حيث تستند إليه المصداقية الرقمية لشركاتنا ومؤسساتنا، كما يعود له الفضل في تمكننا من الاستفادة من الفرص الرائعة التي تُتاح لنا والمساهمة في ابتكار عالم الغد من دون أيّ خوف.

مرحبا بكم في العالم "السيبراني-الحقيقي".

سواء تعلق الأمر بمعدات الإنتاج الصناعية أو المنظومات المالية وأنظمة الأسلحة والعسكريين في الميدان، مروراً بالمنتجات ذات الاستهلاك الواسع، وصولا إلى بيوتنا وسياراتنا وحتى ألعاب أبنائنا. هل لا زلنا قادرين على فصل ما هو رقمي عمّا هو ملموس وفيزيائيّ بشكل كامل؟ إنّ "الرقمية"، التي يُنظر إليها أحياناً على أنها عالم مستقل بذاته، تُغذي جوانب عديدة من حياتنا الشخصية، وعالم الاقتصاد وكيفية سير مجتمعاتنا. إنها كامنة في قلب الخدمات العامة والشركات والبنى التحتية الكبرى التي نعتمد عليها: المصارف، المطارات، محطات القطار، المستشفيات، محطات الطاقة الكهربائية، المعامل، إلى جانب القوات المسلحة أو الأمنية.

 هذا الالتقاء المذهل بين ما هو سيبراني وما هو حقيقي صار واقعاً قائماً أكثر من أيّ وقت مضى، حيث تسمح للشركات باقتراح منتجات وخدمات أنجع، وللقطاعات الصناعية بتحسين إنتاجها، كما تتيح للعملاء الاستفادة من تجارب جديدة، وتعطي للموظفين حرية أكبر في التنقل، إلى جانب تحسين كيفية تلبية الخدمات العامة لحاجيات المواطنين.

على الرغم من هذا، فإنّ هذه الثورة تترتب عنها تهديدات جديدة، وإهمال هذه التهديدات عمداً أو عن غير قصد يُعد خطأً جسيماً يؤثر على مجتمعاتنا ومستقبلها.

في المجال الرقمي كما في الحياة، الانفتاح يعني التعرض لمؤثرات خارجية.

بعد أن كانت الأنظمة المعلوماتية محكمة الإغلاق في الأمس القريب، أصبحت اليوم مترابطة ومفتوحة وغنية بالبيانات الصادرة عن بيئات مختلفة: الحوسبة السحابية، الاتصالات النقالة، "انترنت الأشياء"، وغير ذلك. يمثل كل اتصال بينيّ وكل نقطة جمع أو تخزين أو معالجة للبيانات بوابة محتملة للهجمات السيبرانية. صار الآن بإمكان هذه الهجمات التي يزيد عددها وتعقيدها أن تنتشر بشكل مكثف وسريع من شيء ما إلى منظومة معلومات بأكملها، ومن منظمة إلى أخرى، تماماً مثل مادة ملوثة سُكبت في وادٍ وجرفها التيار إلى البحر. يوضح انترنت الأشياء بشكل مثالي هذه الاتصالات البينية المتعددة والضخمة. ولهذا يصبح أمن الشبكة بالكامل مسؤولية جماعية.

إذا ما واصلنا هذه المقارنة وقلنا أن المنظومات المعلوماتية اليوم تشبه بحيرات كبيرة، فإن المنظومات السابقة شبيهة أكثر بمسابح مغطاة! في حين كان كافياً في السابق مراقبة بعض نقاط الدخول، صار اليوم واجباً علينا التدقيق في تبادلات وبيانات لا تعد ولا تحصى وذات قيمة متنامية، ضدّ تهديدات سيبرانية مقلقة ودائمة التطوّر، عدا عن كونها صعبة الرصد والاعتراض.

لا تحوّل رقميّ دون ثقة، ولا ثقة دون أمن سيبرانيّ.

بناءً على كل هذا، كيف نكتسب الثقة؟ الثقة في الاستخدام الذي تخضع له بياناتنا، والمنظومات التي تنتجها وتخزنها أو تنشرها. وفي النهاية، الثقة في جميع المستخدمين والشركات والشركاء والموردين والخدمات العامة والدول، إلخ أين نرى للوجود الرقمي أثراً حقيقيا على حياتنا. لنكن صرحاء مع أنفسنا: مجتمعاتنا برمتها معرضة لهذه الأخطار، وهذه حقيقة تؤكدها التأثيرات التي عرفتها إحدى الانتخابات السياسية الحديثة على سبيل المثال.

على عكس المتشائمين الذين يفضلون الانسحاب لتجنب المخاطر، أنا أعتقد أن مستقبل مجتمعاتنا تحدده قدرتنا على مسايرة التطور الرقمي، وعزيمتنا على خلق بيئة تعمّ فيها الثقة، بدءاً بإنترنت الأشياء ووصولاً إلى الحوسبة السحابية، إضافة إلى إيماننا بأن من الضروري تأمين المستقبل الرقمي لشركائنا في الوطن، والتزامنا بإضافة مبدأ "الثقة" عبر الأمن السيبراني.

الثقة لا تُفرض، بل لا بد من أن نستحقها.

تُبنى الثقة أولاً على أدلة ملموسة وعلى قدرة كل منظمة على تطبيق الإجراءات الضرورية، بعيداً عن الإطار القانوني، من أجل توفير الحماية ضد الهجمات السيبرانية التي لا يمكن لأي شخص ادعاء أنه في منأىً عنها. تستند هذه الإجراءات، في رأيي، على 4 أسس كبيرة:

  • إدماج الأمن السيبراني بالتزامن مع تصميم المنظومات المعلوماتية (« cybersecure by design »)، على غرار المهندس الذي يُدرج أبواب الحماية من الحرائق في مخططات البناية التي يعتزم بناءها. ولقد أثبتت التجربة أنه من الصعب فعلاً تأمين منظومة ما في وقت لاحق عندما لا تكون مصممة لذلك. يجب على هذا الأمن السيبراني "الأصليّ" أن يشتمل على النظام البيئي برمته ولا يكتفي ببعض المنتجات بشكل منفصل، فعند مواجهة تهديد شامل، لا يمكن للمرء التفكير في كل نقطة على حدة.
  • فحص سيبراني منتظم، مصحوب بتحليل عقلاني للحالة المعلوماتية وهو ما يسمح بتحديد نقاط الضعف المحتملة وتطبيق إجراءات السلامة المعلوماتية.
  • نشر حلول المراقبة السيبرانية (مراكز إشراف خاصة بالأمن السيبراني، تحقيقات الكشف عن الهجمات...)، مدعومة بمعرفة تقنية عميقة بالتهديدات من أجل كشفها تشكّلها.
  • أخيرا، القدرة على تحقيق المرونة السيبرانية: في حالة الأزمات، القدرة على العمل في وضع متدهور من أجل إنهاء هجمة ما بشكل سريع وشامل عبر التحديد الدقيق لما حدث وإعادة بناء المنظومة بطريقة تضمن عدم تكرار الحادث.

تشكّل هذه المجالات الأربع الكبرى، إلى جانب تشفير البيانات، أحد اختصاصات مجموعة تاليس التي تصاحب وتؤمّن تحوّل منظومات المعلومات الأكثر تعقيدا، كما تحمي دورة حياة البيانات بأكملها، منذ إنشائها وإلى غاية استغلالها، مع طموح واحد هو: توظيف التقنيات الرقمية في خدمة عالم أفضل وأكثر أماناً.

لا شك أن هذه الأسس التقنية للثقة عديمة الفائدة من دون الخبرة البشرية ذات الأهمية البالغة في مجال الأمن السيبراني، غير أن مستودع المواهب اليوم يشهد نقصاً كبيراً، وعلينا ألا ندخر أي جهد لإثرائه وجلب المزيد من المواهب نحو هذه المهن التي يجب التذكير بقيمتها المجتمعية وفائدتها التكنولوجية.

إثراء الثقة الرقمية بالتزامات قوية.

مع ذلك، الثقة ليست مجرد نتيجة لمهارات تقنية أو لائحة بأمور جرى تطبيقها: الثقة تتجاوز كل هذا.

في بيئة رقمية، لا تتطلب الثقة أدلة واقعية وملموسة فقط، بل تحتاج أيضاً إلى التزام قوي للمنظمات العامة والخاصة بحماية منظوماتها وبالتالي بيانات مستخدميها. وفي هذا الشأن، يعُد بدء سريان اللائحة العامة لحماية البيانات خطوة كبيرة، لكن يجب التطلع لأكثر من هذا بدون شكّ.

أنا مقتنع بضرورة أن تعلن جميع الجهات المعنية في المنظمات عن هذا الالتزام صراحةً، وأن يسبقهم في ذلك أعضاء لجان الإدارة، الذين يجب أن يتحلوا بمسؤولية بناء حوكمة حقيقية للأمن السيبراني. يدرك العديد من القادة هذا الأمر اليوم، وهم يرسمون الخطوط العريضة لثقافة سيبرانية داخلية حقيقية. هل لازلنا في حاجة إلى التذكير بأنّ أولى نقاط الضعف تجاه الهجمات السيبرانية هي الطبيعة البشرية؟ الأمن السيبراني ليس قضية تخص بعض مهندسي الحاسوب: جميعنا معنيّون. إجراء التحديثات المعلوماتية المطلوبة بانتظام، عدم الضغط على روابط مشبوهة، اختيار كلمة مرور قوية...جميع هذه القواعد الخاصة بحُسن السلوك الرقمي، والتي تنشرها الوكالة الوطنية لأمن نظم المعلومات على نطاق واسع، هي بمثابة حماية سهلة التطبيق، كما هو الحال عندما يأخذ الفرد اللقاح الشخصي فيساهم بذلك في حماية صحة المجتمع.

الحفاظ على التقدم بخطوة.

يجب أن يكون التزام المؤسسات بجميع مكوناتها متجدداً دوماً وعلى المدى الطويل، فالتقدم الرقمي سريع جداً، وغالباً ما يسبقنا منظمو الهجمات بخطوة، فهم على سبيل المثال يبدؤون باستخدام تقنيات الذكاء الصناعي لزيادة إمكاناتهم في إلحاق الضرر بأقلّ تكلفة. نعتقد أنهم سيستخدمون الذكاء الصناعي بسرعة كافية لاختبار أهدافهم وتحسين قدراتهم في الاختراق وتحديد أفضل الثغرات لاستغلالها، أو التخفي عن رادارات منظومات الكشف متى أمكن. هذه التقنيات الجديدة تستلزم دفاعات جديدة، لهذا فإنّ نشر تقنيات الذكاء الصناعي والبيانات الكثيرة الذي نجريه في تاليس لخدمة الأمن السيبراني لعملائنا يُعدّ أمراً ضرورياً وهامّاً.

وفي هذا الصدد يجب أن يكون الانتباه دائما، والتقنيات متقدمة، والمواهب استثنائية. الأمن السيبراني هو أكسجين التحول الرقمي ككل: بفضله يبقى المجال الرقمي مصدرا للفرص وفضاءً للحرية أين نحظى فيه بالثقة التامة.

زعتها APO Group نيابة عن Thales.