المصدر: CAJ News Africa |

جيبوتي ووهم المساعدة القادمة من الشرق

WASHINGTON D.C., الولايات المتحدة الأمريكية, 2019 مارس 19/APO Group/ --

هل تدمر جيبوتي نفسها في سعيها لتحقيق التنمية؟

في مساعيها لتحقيق التنمية، تطلب جيبوتي مساعدة الصين. وبينما تعتبر هذه الدولة الإفريقية نفسها الحلقة الأقوى في علاقتها مع المارد الاقتصادي الآسيوي، فإنها تبدو بعيدة كل البعد عن ذلك. فالصين تنظر إلى إفريقيا بوصفها مجالاً للنفوذ والإثراء دون أدنى اعتبار لمصالح القارة الاقتصادية أو مستقبلها.

وجدت الصين، التي بلغ حجم تجارتها مع إفريقيا 200 مليار دولار عام 2004، مقارنة بمليار دولار عام 1980، طريقها للاستحواذ على ثروات القارة السمراء بما بات يعرف بمبادرة "حزام واحد، طريق واحد" (OBOR)، والتي أعلن عنها الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013، والتي تتألف من حزام طريق الحرير الاقتصادي وطريق الحرير البحري الذي يربط بين آسيا وأوروبا الذي يشبه إلى حد كبير طريق الحرير القديم الذي أنشئ قبل 2100 عام.

إلا أن ثلاث دول إفريقية فقط هي من تشارك مباشرة في مبادرة OBOR، وهي كينيا ومصر وجيبوتي. ويدين البلدان الأخيران (أي مصر وجيبوتي) بوجودهما في هذا المخطط  لموقعهما الاستراتيجي، حيث تمر 30٪ من التجارة العالمية عبر قناة السويس، من المحيط الهندي عبر البحر الأحمر إلى أوروبا.

موقع جيبوتي على الطرف الجنوبي للبحر الأحمر، حيث مضيق باب المندب الذي يشهد مرور حوالي 4.8 مليون برميل من النفط يومياً، أي ما يشكل بين 10 و20٪ من التجارة العالمية كل عام، هو ما دعى الصينيين للاهتمام بالدولة التي يقل تعداد سكانها عن مليون شخص، ويبلغ إجمالي الناتج المحلي فيها 1.8 مليار دولار فقط، فضلاً عن عدم امتلاكها لأي موارد استراتيجية طبيعية. بالإضافة إلى أن موقعها المقابل لليمن والصومال أدى لاعتبارها مركزاً حساساً لعمليات مكافحة الإرهاب الغربية والإقليمية.

من أجل كل ذلك، تمول الصين 14 مشروعاً ضخماً في جيبوتي تبلغ قيمتهم حوالي 10 مليارات دولار. كما أقرضت البلاد ما يقارب المليار دولار مع تمويل 40٪ من مشاريع البنية التحتية. أحد هذه المشروعات عبارة عن خط أنابيب مياه طوله 63 ميلاً لنقل مياه الشرب من إثيوبيا إلى جيبوتي، بتكلفة 300 مليون دولار.

ديون يجب سدادها

المساعدة والقروض والاستثمارات الصينية في جيبوتي ليست مجانيةً بطبيعة الحال، إذ تضع أحمالاً ثقيلة على الاقتصاد الوطني للدولة الإفريقية الفقيرة. ففي عام 2014، بلغت ديون جيبوتي حوالي 50٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وبحلول عام 2018 قفزت إلى أكثر من 105٪، أغلبها مستحق للصين. فإذا كانت الدولة الإفريقية تعتقد أن الشرق سيكون أكثر تسامحاً من الغرب، فعليها أن تعيد النظر بتفكيرها. يُذكر أنه عندما لم تتمكن سريلانكا من سداد القروض الصينية، اضطرت إلى منح الصين إيجاراً مدته 99 عاماً وحصة 70٪ من ميناء هامبانتوتا الذي بنته بكين.

لا ترغب جيبوتي، التي أعمتها الدولارات، في أن ترى أن ما تدفعه في مقابل هذه المساعدات هو أكثر من المال أيضاً، إذ أن للصين تأثير مفسد على جيبوتي، بدأ الحديث عنه في وسائل الإعلام العالمية. إحدى الحالات الدولية التي تجسد هذا التأثير حدثت في عام 2004، حين عقدت الإمارات العربية المتحدة صفقة مع جيبوتي لإدارة جميع موانئها لمدة 20 عاماً، بالإضافة إلى بناء ميناء دوراليه بموجب هذا الاتفاق. فما كان من جيبوتي إلا أن أممته في شباط/ فبراير عام 2008، ما اعتبر انتهاكاً صارخاً لمعايير العمل والاتفاقيات الدولية.

حينها، زعمت جيبوتي أن الإمارات العربية المتحدة قد توصلت إلى الصفقة من خلال الرشوة، وأنها عمدت إلى تأخير العمل على موانئ جيبوتي حفاظاً على مكانة موانئ الإمارات العربية المتحدة. فما كان من محكمة لندن للتحكيم الدولي إلا أن رفضت هذه الادعاءات وأعلنت أن الصفقة لا تزال سارية ويجب احترامها.

ثم رفعت الإمارات قضية ضد الشركة القابضة China Merchants Port Holdings المدعومة من الصين في المحكمة، متهمةً إياها بقلب جيبوتي ضدها. وكانت جيبوتي قد خرقت الصفقة من خلال بيع أسهم في الموانئ إلى شركة China Merchants، والموافقة على بناء وتطوير موانئ أخرى بمساعدة صينية. تجاهلت كل من جيبوتي والصين أمر المحكمة واستمرتا في العمل كالمعتاد. وإن كانت جيبوتي تعتقد أن هناك أي أحد آخر غير الصين سيرغب في التعامل معها بعد هكذا قضية، فهذا خطأ كبير.

وعلى عكس الاعتقاد السائد، فإن جيبوتي لا تتطور بمساعدة صينية، فاقتصادها يسحقه الدين، بينما يتم خلال هذه العملية إثراء النخبة من خلال سلسلة الفساد التي يتصدرها إسماعيل إبراهيم حميد، أحد كبار مستشاري رئيس جيبوتي إسماعيل عمر غيلة للسياسة الخارجية، والذي يلعب دوراً رئيسياً في كل من السياسة الداخلية والتجارة الخارجية. وهو أيضاً الملحق بوزارة الشؤون الخارجية، وكان قد شغل سابقاً سلسلة من الحقائب الوزارية ذات المستوى المنخفض بما في ذلك النقل والعدل.

وتربط حميد مع الصين علاقة بدأت منذ عام 2007 على الأقل، عندما كان وزيراً للنقل وأشرف على صفقة قيمتها 4 مليارات دولار لخط السكك الحديدية الكهربائي بين جيبوتي وإثيوبيا، وهو مشروع صيني. كما ساعد شركة China Merchants الفرعية في الحصول على حصة قيّمة في ميناء دوراليه.

تقاطع نيران

وتصدّر جيبوتي نفسها على أنها الدولة التي لا تقهر على المسرح العالمي، والتي تضم أكبر عدد من القواعد العسكرية الأجنبية في العالم التابعة للولايات المتحدة واليابان وإيطاليا، بالإضافة إلى القاعدة الفرنسية التي تستخدمها أيضاً القوات الألمانية والإسبانية، باعتبار أن موقعها المميز على مضيق باب المندب، بالقرب من الصومال حيث تنتشر القرصنة، يعطي القوى الدولية الأسباب لإرسال قوات عسكرية إلى المنطقة، والتي كان آخرها القاعدة العسكرية الصينية التي افتتحتها الصين في 1 آب/أغسطس عام 2017  كقاعدة دعم فقط، لكن في غضون شهرين من افتتاحها، بدأت الصين بإجراء تدريبات بالذخيرة الحية. ولاحقاً، اتهمت الولايات المتحدة القاعدة الصينية شديدة التحصين بإطلاق أشعة الليزر على الطائرات العسكرية الأمريكية، ما أدى إلى إصابة طيارين أمريكيين. وتدّعي الصين أن القاعدة البحرية لها أربع وظائف، وهي: جمع المعلومات، والإخلاء غير القتالي، ودعم حفظ السلام، ومكافحة الإرهاب. ومع ذلك، يُنظر إلى هذه القاعدة على أنها مجال اختبار للقواعد البحرية والعسكرية المستقبلية لحماية OBOR.

وتبعد القاعدة العسكرية الصينية مسافةً تقل عن 10 أميال عن معسكر ليمونير، القاعدة الأمريكية التي تضم آلاف الجنود، والتي تم تشكيلها بعد هجمات 11 سبتمبر لتنسيق النشاط العسكري الأمريكي في المنطقة، إلى جانب ميناء دوراليه، الذي يُزعم أن الصين دفعت جيبوتي للاستيلاء عليه، وحصلت على استخدام حصري لأحد أرصفته. 

إلا إن خيانة جيبوتي لم تمر بسهولة في الغرب. فقد أثارت المواقع الإخبارية الأوروبية أجراس الإنذار، حيث قال أحدهم: "سوف يتجلى التوسع العسكري الصيني في الخارج في نهاية المطاف في المنافسة بين النظام العالمي الجديد الذي تؤيده الصين والنظام الدولي الليبرالي الذي تعتزّ به أوروبا وترغب في تقدمه." كما دعا موقع الدفاع الأمريكي إلى "مصنع أكثر عدوانية لهزيمة الصين"، وقد بعث أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي برسائل إلى وزير الخارجية والدفاع حول احتمالات ضغط الصين على خطوط الإمداد للقوات الأمريكية هناك. وطلبت إسرائيل من الولايات المتحدة نشر المزيد من القوات في جيبوتي لمواجهة الصين.

وقال مجلس العلاقات الخارجية أن استراتيجية الصين في جيبوتي هي مزج المصالح التجارية مع العسكرية. ما يعنيه هذا هو أن جيبوتي تلعب لعبة جيوسياسية أكبر بكثير من قدرتها واضعةً نفسها في تقاطع نيران. ببساطة، في حال أي تصعيد عسكري أو دبلوماسي بين الأطراف المتواجدة في ساحة جيبوتي، ستكون الأخيرة هي الخاسرة حتماً. 

لا نهاية تلوح في الأفق

إذا اعتقدت جيبوتي أن بإمكانها الحفاظ على الوضع الراهن حيث تلعب جميع الأطراف لصالحها، فهذا خطأ فادح. فالقضية غير منتهية مع الغرب. في الواقع، الغرب يحشد بالفعل ضد الصين. يظهر ذلك أحياناً في مبادرات دبلوماسية، ففي آذار/مارس 2019، زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جيبوتي وإثيوبيا وكينيا للتغلب على النفوذ الصيني المتزايد.

وقال إلى جانب رئيس جيبوتي: "الصين قوة عالمية عظيمة وسّعت من تواجدها في العديد من البلدان، وخاصة في إفريقيا في السنوات الأخيرة". "لكن ما يمكن أن يبدو جيداً على المدى القصير، قد ينتهي به المطاف ليكون سيئاً على المدى الأبعد. لا أريد أن يتعدى جيل جديد من الاستثمارات الدولية على سيادة شركائنا التاريخيين أو أن يضعف من اقتصادهم".

مر التحذير من فوق رؤوس الجيبوتيين، الذين لا يرون الخطر الواقعين فيه. وقال أحد المسؤولين الحكوميين في جيبوتي: "الأولوية للاستثمار، والصينيون يستثمرون هنا، بينما الفرنسيون لا يحبون المنافسة. الفرنسيون تأخروا جداً، وليس لديهم ما يكفي من المال للاستثمار". وكان رئيس جيبوتي نفسه قد اتهم فرنسا في وقت سابق بالتخلي عن مستعمرتها السابقة وعدم الاستثمار فيها كما يجب. وعلى الأرجح يعتقد أنه وجد الآن حلاً لهذه المشكلة. الأمر الذي هو مخطئ به تماماً.

ختاماً، تعتزم الصين مضغ جيبوتي تماماً، وقبل فوات الأوان، على جيبوتي الاستيقاظ من وهمها لرشف قهوتها بدلاً عن مضغها القات.

زعتها APO Group نيابة عن CAJ News Africa.